هكذا يعيش العظماء
عليك سلام الله وقفاً فإنني .... رأيت الكريم الحُرّ ليس له عُمرُ
أصدق بيت يرثى به الكرام في الماضي والحاضر ونحن نستشهد به هنا على من عاصرناهم وتأثرنا بما شاهدناه من أفعالهم.
والحديث هنا عن الجبل الشامخ وصاحب القلب الشجاع في مواقف الهلَع أبو عبدالعزيز عبدالرحمن بن علي بن عامر آل مشبب الأسمري عفر الله له الذي أوسد الثرى بالأمس القريب .
شاهدت له عدة مواقف فتح الله بها عليّ لتكون درساً لتعاملي مع فواجع الحياة وعزاءاً لكل مصيبة.
وأذكر منها ما فجع به في يوم من الأيام بموت ابنه الأكبر وابن صديقه في حادث سير فكان استسلامه لقدر الله وتحمله لهذه النائبة مضرب مَثَل في رَبَاطة الجأش وقوة العزيمة،
وماهي إلا أعوام حتى أصيب في ابنه الثاني رحمهم الله جميعاً وجمعه بهم في الفردوس الأعلى، فلم نرَ منه إلا دمعة الأب المشفق وصبر المؤمن المحتسب.
وكأني به يتأمل أبيات الشاعر العربي أبي ذؤيب الهذلي :
أمن المنون وريبها تتوجعُ ... والدهر ليس بمُعتب من يجزعُ
أودى بنيّ وأعقبوني حسرة... بعد الرقاد وعبرة لاتقلعُ
ولقد أرى أن البكاء سفاهة ... ولسوف يُولع بالبكا من يُفجعُ
ولقد حرصت بأن أدافع عنهم... فإذا المنية أقبلت لاتُدفعُ
وإذا المنية أنشبت أظفارها ... ألفيت كل تميمة لاتنفعُ
حتى كأني للحوادث مروة... بصفا المشرق كل يوم تُقرعُ
وتجلدي للشامتين أريهم... أني لريب الدهر لا أتضعضعُ
ورغم هذه الحوادث العظام التي حلت برجل أعظم منها إلاّ انها لم تُثنِه عن مشاركته جماعته وقبيلته أفراحهم وأتراحهم بل تجده الأول في كل شأن من شؤونهم، وما ذاك إلا لأنه علم من أعلامها وأحد شعراء الحكمة فيها،
ولا زلنا نتغنى بأبيات ألقاها قبل قرابة عشرين عاماً في إحدى المناسبات بعد أن تعددت الوفود من داخل المنطقة وخارجها فقام رحمه الله مرحّباً قائلاً :
يامرحباً عدة مصاريف النبات…
وعداد من يقرا الحروف بشكلها …
أمر السعودي عاد في الديرة يبات…
ماهمنا كثر الضيوف وشكلها…
فردّ شاعر البقوم عن وفده:
لك البقا عِدّ الجبال الراسيات…
وانتم حماة جبالها مع سهلها…
أنتم هل القالات واهل الطايلات…
والطيبه أنتم تراكم أهلها…
وحين يسترسل مرافقوه ومحبوه عن ذكرياتهم معه في زمن الغربة والسفر ولاسيما في سرد رفيق دربه الوالد علي بن حامد حفظه الله تسمع عجباً في أدب الصحبة والتضحية من أجل الأخوة مايجعلك تستحقر معنى الصداقة في جيلنا الحاضر.
غفر الله لأبي عبدالعزيز ورحمه، وخلَفه في عقبه بخير. وحفظ الله القارئ الكريم من كل سوء.