(إِنَّ اللَّهَ لا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ)
في الوقت الحرج الذي يتربص فيه الأعداء الدوائر بهذه الأمة، ويجلبون بخيلهم ورجلهم لحربها حرباً شاملة على حضارتها وعقيدتها وفكرها وأخلاقها، تتواصل أعمال التدمير والتفجير العبثية في بلاد الحرمين الشريفين لتحصد مزيداً من الدماء والأنفس المعصومة،
أعجب أين يذهب هؤلاء بآية صريحة جاءت بحفظ الدماء يقول الله تعالى فيها:
(وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً) .
وبحديث شريف قال النبي صلى الله عليه وسلم فيه: ( لزوال الدنيا أهون عند الله من قتل رجل مسلم )
إن الدم الذي يُسفك ظلمًا وعدوانًا لا يضيع.
ولو تمالأ أهل بلد على قتل معصوم لقُتلوا به، ولو اجتمع أهل الأرض كلهم على سفك دم محرم لعُذبوا بسببه، كيف،، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: "لو أن أهل السماء وأهل الأرض اشتركوا في دم مؤمن لأكبهم الله في النار"
فحُرمة الدماء والأموال والأعراض ثابتة بقطعيات النصوص الشرعية في الكتاب والسنة، لا يجوز لأحد أن يتطاول عليها بتأويل أو تحريف، ولهذا قال -صلى الله عليه وسلم- في أعظم أيام الإسلام في حجة الوداع: «إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا»
وكيف تجاهلوا أن الشريعة جاءت بحفظ الأمن فقال تعالى: ( رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً ).
كما جاءت بعمارة الأرض وإقامة شرع الله فيها، ولا قيمة للمرء إلا بوطن يؤويه وبلاد تحتويه ولذلك جبلت النفوس السليمة على حب بلادها:
وللأوطان في دمِ كلّ حرٍّ … يدٌ سَلَفت ودَينٌ مُستحقٌ
وإذا كان هذا المعنى في كل الديار والبلدان، فما بالكم بغرة جبين الأوطان، وعِقد جِيد البلدان، وقرة عيون الزمان والمكان:
هنا بمكة آي الله قد نزلت … هنا تربى رسول الله خير نبي
هنا الصحابة عاشوا يصنعون لنا … مجداً تليداً على الأيام لم يشِبِ
إن حرمة هذه الأرض المقدسة بدهية مسلَّمة في حسِّ كل مسلم يتقي الله ـ تعالى ـ ويُعظم حرماته، {ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ عِندَ رَبِّهِ}
وعليه فإن ما يسعى إليه هؤلاء المفسدون من تفجير لهو فتنة عظيمة وخطر ينبغي على كل مسلم أن يقف ضده وأن يسعى إلى محاربته،
ومعاذَ الله أن تكون هذه التصرفات الخرقاء جهاداً كما يزعم مدَّعوها، بل هي إساءة للإسلام وظلم للمسلمين وتشويه لديننا الحنيف في أعين الآخرين وقتل لأنفس معصومة، ولهذا اتفقت كلمة العلماء والدعاة، والخاصة والعامة، على التحذير من هذه الأعمال المستنكرة المشينة.
وتتابع هذه الأحداث يجعلنا نؤكد أن تربية شباب الأمة على منهاج النبوة الذي لم تكدِّره شوائب الأهواء والضلالات هو سبيل لحفظهم من طرفي الغلو والجفاء والإفراط والتفريط.
والله نسأل أن يُديم أمن بلادنا وإيمانها وأن يمن بالشفاء العاجل لجميع المصابين في حادثة تفجير طوارئ عسير وأن يجعل أرواح من ماتوا في علّيين،
كما نسأله تعالى أن يدحر شر هؤلاء المفسدين وأن يجعل كيدهم في نحورهم ولا حول ولا قوة إلا بالله .